فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وظللنا عليكم الغمام} قال: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي فيه يوم القيامة، وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر، وكان معهم في التيه.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وظللنا عليكم الغمام} قال: ليس بالسحاب، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ولم يكن إلا لهم.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {وظللنا عليكم الغمام} قال: هو السحاب الأبيض الذي لا ماء فيه.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز في قوله: {وظللنا عليكم الغمام} قال: ظلل عليهم في التيه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وظللنا عليكم الغمام} الآية. قال: كان هذا في البرية، ظلل عليهم الغمام من الشمس، وأطعمهم المن والسلوى حين برزوا إلى البرية، فكان المن يسقط عليهم في محلتهم سقوط الثلج، أشد بياضًا من الثلج، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فيأخذ الرجل قد ما يكفيه يومه ذلك فإن تعدى فسد وما يبقى عنده، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه فبقي عنده، لأنه إذا كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشة ولا لطلب شيء، وهذا كله في البرية.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: {المن} شيء أنزله الله عليهم مثل الطل شبه الرب الغليظ {والسلوى} طير أكبر من العصفور.
وأخرج وكيع وعبد حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: {المن} صمغة {والسلوى} طائر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: قالوا يا موسى كيف لنا بماء هاهنا، أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن، فكان يسقط على شجرة الترنجبين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه. أنه سئل ما المن؟ قال: خبز الرقاق مثل الذرة، أو مثل النقي.
وأخرج ابن جرير وابن وابن حاتم عن الربيع بن أنس قال: {المن} شراب كان ينزل عليهم مثل العسل، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا {والسلوى} طائر شبيه بالسماني كانوا يأكلون منه ما شاؤوا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: {المن} الذي يسقط من السماء على الشجر فتأكله الناس {والسلوى} هو السماني.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم عن سعيد بن زيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المن، وماؤها شفا للعين».
وأخرج أحمد والترمذي من حديث أبي هريرة. مثله.
وأخرج النسائي من حديث جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وابن عباس. مثله.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة {السلوى} طائر يشبه السماني.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك أنه كان يقول: السماني هي السلوى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت السلوى طيرًا إلى الحمرة تحشرها عليهم الريح الجنوب، فكان الرجل منهم يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده، حتى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه.
وأخرج سفيان بن عيينة وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: سألت بنو إسرائيل موسى اللحم فقال الله: لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض. فأرسل عليهم ريحًا فأذرت عند مساكنهم السلوى- وهو السماني- ميلًا في ميل قيد رمح في السماء، فجنوا للغد فنتن اللحم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن السلوى فقال: طير سمين مثل الحمام، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وما ظلمونا} قال: نحن أعز من أن نظلم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قوله: {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} قال: يضرون. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام} تقديره: وجعلنا الغمام يُظَلِّلُكُمْ.
قال: أبو البقاء: ولا يكون كقولك: ظَلَّلْتُ زيدًا يُظَلُّ؛ لأن ذلك يقتضي أن يكون الغمام مستورًا بظل آخر.
وقيل التقدير: بالغمام، وهذا تفسير معنى لا إعراب، لأن حذف الجر لا يَنْقَاس.

.فصل في اشتقاق الغمام:

الغمام: السَّحَاب، لأنه يغم وَجْه السماء، أي: يَسْتُرُهَا، وكل مستور مغموم أي مغطى.
وقيل: الغمام: السَّحاب الأبيض خاصّة، ومثله: الغَيْمُ والغَيْن بالميم والنون وفي الحديث: «إنه لَيُغَانُ عَلىَ قَلْبِي».
وواحدته غَمَامَةٌ فهو اسم جنس.
و{المَنّ} تقدم تفسيره، ولا واحد له من لفظه.
والمَنّ أيضًا مقدار يوزن به، وهذا يجوز إبدال نونه الأخيرة حرف علّة، فيقال: مَنًا مثل: عَصًا، وتثنيته: مَنَوَان، وجمعه: أمْنَاء.
والسَّلْوَى تقدمت أيضًا، واحدتها: سَلْوَاةٌ؛ وأنشدوا: الطويل:
وَإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ سَلْوَةٌ ** كَمَا انْتَفَضَ السَّلْوَاةُ مِنْ بَلَلِ القَطرِ

فيكون من باب قَمْح وقَمْحَة.
وقيل: سَلْوَى مفرد وجمعها: سَلاَوى كفَتْوَى وَفَتَاوَى قاله الكسائي.
وقيل: سلوى يستعمل للواحد والجمع ك: دِفْلَى.
والسُّلْوَانَةُ بالضم خَرَزَةٌ كانوا يقولون: إذا صُبَّ عليها ماء المَطَرِ فشربه العاشق سَلاَ؛ قال: الطويل:
شَرِبْتُ عَلَى سُلْوَانَةٍ مَاءً مُزْنَةٍ ** فَلاَ وَجَدِيدِ العَيْشِ يَا مَيُّ مَا أَسْلُو

واسم ذلك الماء السُّلْون.
وقال بعضهم: السُّلْوَان دواء يُسْقَاه الحزين فَيَسْلُو، والأطباء يسمونه المُفَرِّح.
يقال: سَلَيْتُ وسَلَوْت، لُغَتَان.
وهو في سُلْوة من العيش، قاله أبو زيد.
و{السَّلوى} عطف على {المَنّ} لم يظهر فيه الإعراب، لأنه مقصور، وهذا في المقصور كلّه؛ لأنه لا يخلو من أن يكون في آخره ألف.
قال الخليل: والألف حرف هَوَائِيّ لا مُسْتَقَرّ له، فأشبه الحركة، فاستحالت حركته.
وقال الفراء: لو حركت الألف صارت همزة.
{كلوا} هذا على إضمار القول، أي: وقلنا لهم: كلوا، وإضمار القول كثير، ومنه قوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] أي: يقولون سلام، {والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ} [الزمر: 3] أي: يقولون: ما نعبدهم إلاّ.
{فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أي: فيقال لهم: أكفرتم، وتقدم الكلام في كل تصريفه.
قوله: {مِنْ طَيِّبَات} من لابتداء الغاية، أو للتبعيض.
وقال: أبو البقاء: أو لبيان الجِنْسِ.
والمفعول محذوف، أي: كلوا شيئًا من طيبات.
وهذا ضعيف؛ لأنه كيف يبين شيء ثم يحذف.
قوله: {مَا رَزَقْنَاكُم} يجوز في {ما} أن تكون بمعنى الَّذي، وما بعدها حاصلة لها، والعائد محذوف، أي: رَزَقْنَاكُمُوهُ، وأن تكون نكرة موصوفة.
فالجملة لا محلّ لها على الأول، ومحلّها الجر على الثَّاني، والكلام في العَائِد كما تقدّم، وأن تكون مصدريةٌ، والجملة صلتها، ولم تَحْتَجْ إلى عائدٍ على ما عرف قبل ذلك، ويكون هذا المصدر واقعًا موقع المفعول، أي: من طيبات مرزوقنا.
قوله: {أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
{أنفسهم} مفعول مقدم، و{يظلمون} في محل نصب خبر {كانوا} وقدّم المفعول إيذانًا باختصاص الظُّلم بهم، وأنه لا يتعّداهم.
والاستدراك في {لكن} واضح، ولابد من حذف جملة قبل قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا}، فقدره ابن عطية: فعصوا، ولم يقابلوا النعم بالشكر.
وقال الزمخشري: تقديره فظلمونا بأن كفروا هذه النعم، وما ظلمونا، فاختصر الكلام بحذفه لدلالة {ومَا ظَلَمُونَا} عليه.
فإن قيل: قوله: {وَمَا ظَلَمُونَا} جلمة خبرية، فكيف عطفت على قوله: {كلوا}، وهي جملة أمرية؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أن هذه جملة مستأنفة لا تعلُّق لها بما قبلها.
والثاني: أَنَّهَا معطوفة على الجملة القولية المحذوفة أي: وقيل لهم: كلوا من طيبات ما رزقناكم، وما ظلمونا، فيكون قد عطف جملة خبرية على خَبَرِيّة.
والظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
وقوله: {كانوا} وكانت هذه عادتهم كقولك كان حاتم كريمًا. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (58):

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان كل من ظل الغمام ولزوم طعام واحد غير مألوف لهم مع كونه نعمة دنيوية وكان المألوف أحب إلى النفوس تلاه بالتذكير بنعمة مألوفة من الاستظلال بالأبنية والأكل مما يشتهى مقرونة بنعمة دينية.
وقال الحرالي: لما ذكر تعالى عظيم فضله عليهم في حال استحقاق عقوبتهم في تظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وهو مبتدأ أمر تيههم حين أبوا أن يقاتلوا الجبارين نظم به آخر أمر تيههم بعد وفاة موسى وهارون عليهما السلام حين دخولهم مع يوشع عليه السلام وما أمروا به من دخول البلد المقدس متذللين بالسجود الذي هو أخص رتب العبادة وكمال عمل العامل ودنو من الحق- انتهى.
فقال تعالى: {وإذ قلنا} أي لكم {ادخلوا هذه القرية} إشارة إلى نعمة النصر.
قال الحرالي: الدخول الولوج في الشيء بالكلية حسًا بالجسم ومعنى بالنظر والرأي، والقرية من القرى وهو الجمع للمصالح التي بها يحصل قوام الدنيا لقرى أهل الدنيا والتي تجمع مصالح أهل الآخرة، لقرى أهل الآخرة، قال عليه السلام: «أُمرت بقرية تأكل القرى» باستيطانها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها، وقد تناوبت الياء والهمزة والواو مع القاف والراء على عام هذا المعنى- انتهى.
وناسب سياق النعم الدلالة على تعقيب نعمة الدخول بالفاء في قوله: {فكلوا منها حيث شئتم} وأتمّ النعمة بقوله: {رغدًا} موسعًا عليكم طيبًا.
قال الحرالي: وفيه أي هذا الخطاب تثنية في ذكر الأرض لما تقدم من نحوه لآدم في السماء، فكان تبديلهم لذلك عن فسق لا عن نسيان كما كان أمر آدم عليه السلام، فكأنهم اقتطعوا عن سنته إلى حال الشيطان الذي كان من الجن ففسق عن أمر ربه، فتحقق ظلمهم حين لم يشبهوا آباءهم وأشبهوا عدو أبيهم- انتهى.
وأمرهم بالشكر على نعم النصر والإيواء وإدرار الرزق بأمر يسير من القول والفعل، وقدم الدخول السار للنفوس والسجود الذي هو أقرب مقرب للحضرة الشريفة لأنه في سياق عد النعم على القول المشعر بالذنب فقال: {وادخلوا الباب} وهو كما قال الحرالي أول مستفتح الأشياء والأمور المستغلقة حسًا أو معنى حال كونكم {سجدًا وقولوا} جامعين إلى ندم القلب وخضوع الجوارح الاستغفار باللسان، ولما كان القول تحكى به الجمل فتكون مفعولًا بها ويعمل في المفرد إذا كان مصدرًا أو صفة لمصدر كقلت حقًا أو معبرًا به عن جملة كقلت شعرًا وما كان على غير هذا كان إسنادًا لفظيًا لا فائدة فيه غير مجرد الامتثال رفع قوله: {حطة} أي عظيمة لذنوبنا.
قال الكشاف: والأصل النصب أي حط عنا ذنوبنا إلاّ أنه رفع ليعطي معنى الثبات.
قال الحرالي: من الحط وهو وضع الحمل الثقيل بمُنّة وجمام قوة يكون في الجسم، والمعنى أمروا بقول ما يحط عنهم ذنوبهم التي عوّقتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من معه من المهاجرين والأنصار بشعب من الشعاب مترددًا بين الحرمين الشريفين- يعني في عمرة الحديبية- فقال: «قولوا: لا إله إلاّ الله» وعند ذلك دخول الشعب الذي هو باب المدخل من نجد الأرض إلى سهلها فقالوها، فقال: «والذي نفسي بيده! إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل أن يقولوها فبدلوها» انتهى.
وعبر بنون العظمة في قوله: {نغفر لكم} إشارة إلى أنه لا يتعاظمه ذنب وإن عظم كاتخاذ العجل إذا جُبّ بالتوبة، وفي قراءة من قرأ بالتحتانية والفوقانية مبنيًا للمجهول إشارة إلى تحقير الذنوب إذا أراد غفرانها بحيث إنه بأدنى أمر وأدق إشارة بمحوها وهي أقل من أن يباشرها بنفسه المقدسة، كل ذلك استعطاف إلى التوبة.
والغفر قال الحرالي: ستر الذنب أن يظهر منه أثر على المذنب لا عقوبة ولا ذكر- ثم قال: ففي قراءة {نغفر} تول من الحق ومن هو من حزبه من الملائكة والرسل، وفي قراءة: تغفر، إبلاغ أمر خطابهم بما يفهمه التأنيث من نزول القدر، وفي قراءة الياء توسط بين طرفي ما يفهمه علو قراءة النون ونزول قراءة التاء، ففي ذلك بجملته إشعار بأن خطاياهم كانت في كل رتبة مما يرجع إلى عبادة ربهم وأحوال أنفسهم ومعاملتهم مع غيرهم من أنبيائهم وأمثالهم حتى جمعت خطاياهم جميع جهات الخطايا الثلاث، فكأنهم ثلاثة أصناف: صنف بدلوا، وصنف اقتصدوا، وصنف أحسنوا فيزيدهم الله ما لا يسعه القول و{هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان} [الرحمن: 60] انتهى.
ولما كان السياق هنا لتعداد النعم حسن أن يعبر عن ذنوبهم بجمع الكثرة فقال: {خطاياكم} إشارة إلى أنهم أصروا عليها بحيث كادوا أن يجعلوا بإزاء كل نعمة ذنبًا، والخطايا جمع خطيئة من الخطأ وهو الزلل عن الحد عن غير تعمد بل مع عزم الإصابة أو وَدِّ أن لا يخطئ- هكذا قال الحرالي، والظاهر أن المراد هنا ما كان عن عمد كائنًا ما كان، لأن ذلك أولى بسياق الامتنان والعقوبة بالعصيان.
قال في القاموس: والخطيئة الذنب أو ما تعمد منه والخطأ ما لم يتعمد، جمعه خطايا، وقرئ شإذا: خطيئاتكم، بالجمع السالم الدال على القلة إشارة إلى أنّها وإن تكاثرت فهي في جنب عفوه قليل، وهذا بخلاف الأعراف فإن السياق هناك لبيان إسراعهم في الكفر كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وناسب عدّ النعم العطف على ما تقدم منها بقوله: {وسنزيد المحسنين} أي بعد غفران ذنوبهم.
قال الحرالي: جمع محسن من الإحسان وهو البلوغ إلى الغاية في حسن العمل، فيكون مع الخلق رؤية المرء نفسه في غيره فيوصل له من البر ما يجب أن يفعل معه، ورؤية العبد ربّه في عبادته، فالإحسان فيما بين العبد وربّه أن يغيب عن نفسه ويرى ربه، والإحسان فيما بين العبد وغيره أن يغيب عن غيره ويرى نفسه، فمن رأى نفسه في حاجة الغير ولم ير نفسه في عبادة الرب فهو محسن، وذلك بلوغ في الطرفين إلى غاية الحسن في العمل بمنزلة الحسن في الصورة- انتهى. اهـ.